د. هزاع عبد العزيز المجالي
تناقلت وسائل الإعلام على لسان رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز تصريحاً له «أنا لست رجل سياسة بل رجل اقتصاد»، بمعنى أنه جاء إلى هذا الموقع إنسجاماً مع التوجهات الملكية بهذا الخصوص، لمعالجة المشاكل الاقتصادية. وأعتقد وحتى نكون أكثر إنصافاً وتجرداً، لا بد لنا أن نقر جميعاً بأن هاجس الإصلاح الاقتصادي لدى الأردنيين أهم بكثير من الإصلاح السياسي، بدليل أن تداعيات الأزمة الاقتصادية كانت السبب الجوهري لتغيير الحكومات السابقة.
وكما نعلم جميعاً فإن اختيار الرزاز جاء بناءً على خلفيته العلمية والثقافية التي يغلب عليها الطابع الاقتصادي، والخبرة المعرفية التي اكتسبها في المواقع التي تولاها سابقاً بنجاح وتميز، وكذلك سيرته الذاتية العطرة التي لا يختلف عليها حتى من يعارضونه. وجميعنا يعلم أننا في العشر سنوات السابقة وبسبب الظروف والتحديات التي تعيشها المنطقة من أزمات سياسية متلاحقة، فإن الملف السياسي لم يعد بالمعنى الحرفي من إختصاص الحكومة، وإنما بيد جلالة الملك حفظه الله. فالأولويات تختلف باختلاف الظروف، فعندما كانت المنطقة تعيش حالة حرب وصراعات وعدم إستقرار، كان الهاجس الأمني يطغى على تفكير الأردنيين جميعا، على المستوى الشعبي والرسمي. أما الآن فإن هاجس الإصلاح الإقتصادي يطغى على كل الأولويات عند الأردنيين.
إنني أرتبط بمعرفة بالكثير من الأشخاص والمعارف، الذين ينتمون لما يعرف بالحراك الشعبي، بمستوياتهم الفكرية المختلفة من مثقفين وأكاديميين وحزبيين وأناس عاديين. نتفق في الكثير ونختلف بالقليل، فأنا لست من أتباع نظرية «من ليس معنا فهو ضدنا». وهؤلاء منهم الكثير من يذهب إلى (الدوار) بدوافع طيبة ووطنية، وتلاحظ عند النقاش معهم حالهم حال الغالبية العظمى من الشعب الأردني، بأن ما يؤرقهم هي مشاكل الفقر، البطالة، الفساد بأشكاله وأنواعه،الاصلاح الاداري، العدالة، المساواة. أما الحديث عن الإصلاح السياسي يأتي بالعادة مكملا للمطالب الإقتصادية.
إنني حالي حال الكثير من الذين يغلب عليهم طابع التكوين السياسي والقانوني نلاحظ أن الحكومة تتعامل مع محور الإصلاح السياسي بتحفظ،رغم ما يُكتب ويقرأ عن حوارات ولقاءات مع الأحزاب والقوى السياسية، وعلى الرغم من عدم وجود أية بوادر لتعديلات جذرية حول بعض القوانين الناظمة للحريات العامة مثل: قانون الإنتخاب، الأحزاب بالمعنى الجوهري، إلا أنك تشعر أن هناك قبولاً ضمنياً من القوى السياسية بما هو مطروح من قبل الحكومة، وذلك تمشيا مع القناعة المسبقة بحالة الترقب وعدم الإستقرار السياسي في المنطقة. وإن الشعور العام لدى الأردنيين يميل نحو الإصلاح الاقتصادي، والتخوف من تداعيات الطروحات السياسية الخارجية للمنطقة (صفقة القرن). لقد كثر الجدل والنقد حول الجدوى من التعديلات التي قامت بها الحكومة لا سيما التعديل الأخير، ولقد كثُرت التحليلات، فإذا ما استثنينا تغيير وزير الصحة فإن التعديل جاء لأبعاد اقتصادية، بدخول وزير الإقتصاد الدكتور (محمد العسعس)، وأمني متشدد بدخول الوزير الأسبق سلامة حماد لوزارة الداخلية. وهذا دليل على طبيعة المرحلة القادمة التي يغلب عليها الإصلاح الاقتصادي والهاجس الأمني.